بسم الله الرحمن الرحيم.
لا شك أن السيجارة جمعت من سوء السمعة وفساد السيرة ما لم يجمعه منتج آخر، فالسيجارة متهمة طبيا ومنبوذة دينيا وأخلاقيا وتعافها الفطرة السليمة، وهي من خوارم المروءة التي تحط من قدر صاحبها، لكن تبقى السيجارة من الويلات العظام كشيطان جاسم على صدر بيت الزوجية الذي تتضرر فيه صحة الأب أو الأم المدخنان فضلا عن آثار التدخين السلبي الذي يعاني منه الطرف البريء الغير مدخن وعلى رأسهم الأولاد الأبرياء، وإهتزاز صورة الأب أو الأم كقدوة، وتسريب تلك العادة الخبيثة إلى الأبناء في بواكير فترة المراهقة ليخرج في النهاية إلى المجتمع براعم أشبه بالمسخ تعاني من شخصيات مشوهة وأجسام عليلة وتلك هي الكارثة العظمى والمصيبة الكبرى التي تهون دونها المصائب.
= بين شبح الإقتران والانفصال:
بات ضرر وخطر التدخين أشبه بالمسلمات التي لا يجحدها أحد، ويكفي أن كل القوانين عالميا قد ألزمت شركات التبغ أن تكتب على منتجاتها تلك العبارة الشهيرة -التدخين ضار جدا بالصحة، ويسبب الوفاة- لكن على صعيد الحياة الزوجية صار التدخين من أحد أهم المطبات الزوجية التي قد تعوق الإرتباط إبتداء أو قد تؤدي للطلاق إنتهاء، والإحصاءات والمؤشرات المحلية العربية تدق ناقوس الخطر في هذا المجال، فبحسب تقرير نشرته جريدة عكاظ السعودية فإن المحكمة العامة في المدينة المنورة سجلت أكثر من 100 دعوى طلب طلاق من قبل نساء رفضن الإستمرار مع الزوج المدخن، كما تضمن التقرير الإشارة إلى دراسة أكدت رفض الكثير من الفتيات في المدينة المنورة الاقتران بالشاب المدخن المتقدم لخطبتهن، ومن طريف المواقف في هذا الصدد الإعلان الشهير -عليك الإقلاع وعلينا الزواج- الذي أطلقته الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين في العاصمة السعودية الرياض، لمساعدة بعض الشبان المدخنين غير القادرين على الزواج، شريطة إقلاعهم عن تلك العادة الضارة، وأوضح مسئول التوعية والإعلام بجمعية مكافحة التدخين أن الغاية من المسابقة تقديم مهر يقدر بـ 35 ألف ريال للفائز الأول، والـ19 فائزاً الباقين لهم إعانة تتمثل بتأثيث بيت الزوجية.
= سراديب المعاناة الزوجية:
بعيدا عن أجواء الطلاق والإنفصال يحدونا الفضول للدخول في دهاليز وسراديب الحياة مع زوج مدخن.. تلك الحياة التي تكون غالبا على مضدد حيث يقدم الطرف الغير مدخن تنازلا تلو الآخر على حساب صحته ونفسيته من أجل مصلحة الأولاد، ولكي تستمر سفينة الزوجية حتى ولو سارت متعثرة تارة ومتعرجة تارة أخرى.
= ماذا يعني زوج/زوجه مدخن؟
ـ يعني: رائحة فم نتنه، وأسنان صفراء، وزيادة ضربات القلب حتى درجة الهبوط وقصور في الشرايين وبخاصة الشريان التاجي وشرايين العضو الذكري، مسببا صعوبة الإنتصاب، ونقص الأكسجين في الدم الذي يؤثر بالسلب علي وظائف القلب، وتأثر نهايات الأعصاب مما يجعل العلاقة الزوجية أقرب للمعاناة منها إلى الإشباع والإعفاف والإمتاع.. يذكر أن التدخين يفاقم العجز الجنسي عند المدخنين أكثر من غيرهم ستا وعشرين مرة كما يقول الأطباء.
ـ يعني: تأخر فرص الحمل لتأثيره على خصوبة الزوجين بل وجدت الدراسات أن التدخين له تأثير كامن على خصوبة الرجال من خلال ثلاث آليات هي: نوعية النطاف -تشوه الحيوانات المنوية- وقدرة الرجل على إتمام اللقاء الجنسي وشهوته الجنسية.
إن أول أكسيد الكربون الموجود في الدخان يملك تأثيرا كامنا على إنقاص مستويات هرمون التستستيرون وهو الهرمون الذكري المسئول عن الإثارة والرغبة الجنسية، أما بالنسبة للسيدات فقد وجدت الدراسات أن الإخصاب عند سيدة تدخن 20 سيجارة يوميا هو 8 % فقط في مقابل 25 % عند امرأة سوية لا تدخن، وفرص الحمل للمرأة المدخنة تقل بنسبة 50% خلال العام الأول بعد الزواج عن مثيلاتها اللاتى لا يدخن، والعقم يزداد بنسبة 13% أما الإجهاض المتكرر فيزداد بنسبة 17%.
كذلك ثبت أن التدخين يلحق أضرارا فادحة بالخلايا الهدبية لقناتي فالوب ويعيق تأديتها لوظائفها، مما يؤثر سلبا على عملية نقل البويضة الملحقة في الثلث الأخير لقناة فالوب نحو الرحم الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع حالات الحمل خارج الرحم.
ـ يعني: شخير ليلي، وضيق تنفس أثناء النوم، وكحة متواصلة وإفرازات مع بواكير الصباح لطرد البلغم المتراكم طيلة الليل، وعادات سيئة تبدأ من الإفطار على السيجارة، وفقدان لحاسة التذوق، وضعف الشهية والوهن العام، وبخاصة الرئة التي لا تساعده في القيام بأي مجهود، ورائحة دخان منفرة تعلق بالملابس والمفروشات، ومزاج متقلب لا يقيمه إلا إشعال سيجارة تلو الأخرى حتى نبدأ الحوار ونضمن له عدم الانهيار.. فالسيجارة هي الملاذ في لحظات الإسترخاء وعنفوان النرفزة والإنفعال وبعد الوجبات وأثناء مشاهدة البرامج والمباريات ومن مقتضيات التركيز عند جلل الأعمال!!.
ـ يعني: زوج مريض وأسرة يغتال المرض هنائها الأسري وتخيم على أجوائها سحابة سوداء مجالها بين الأطباء والتحاليل والعقاقير والكلفة الاقتصادية والكآبة النفسية، يقول أحد مشاهير الأطباء: لقد مضى على معالجتي للسرطان 25 عاماً فلم يأتني مصاباً بسرطان الحنجرة إلا مدخن.
ـ يعني: تعجيل سن اليأس عند المرأة وإنقطاع الطمث باكرا، كما أنه يمكن أن يسبب العقم بتأثيره الضار على بويضات المبيض، هذا فضلا عن قبح البشرة التي هي محور جمال النساء. يقول خبير التجميل جوزيف بورن: إن وجوه السيدات المدخنات هزيلة ضعيفة، ضامرة مقرفة، وتصير بشرتهن شاحبة خضراء، وتفقد شفاههن لونها الجميل، وتتجمع الغضون حول زوايا أفواههن، وتمتد شفتهن السفلى إلى الأمام».
ـ يعني: التدخين الإجباري لكافة أفراد الأسرة الأبرياء من غير مدخنين فيما يعرف طبيا بالتدخي السلبي، فالدخان المنبعث من تدخين المدخنين عبارة عن مزيج معقد لما يزيد على خمسة ألاف مادة كيميائية في شكل جزيئات وغازات في غاية الخطورة، فمنها المسرطنات والمهيجات والمواد المسببة للطفرات الوراثية كالزرنيخ والكروم والنيتروزامين والبنزوابيرين ومنها سموم ومؤثرات على الجهاز العصبي المركزي كسيانيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكبريت وأول أكسيد الكربون والأمونيا والفورمالدهيد، والمواد المسببة لإرتفاع ضغط الدم والأورام الخبيثة.
وأظهرت دراسة حديثة بحسب بيان منظمة الصحة العالمية أن 38 % من الأطفال، و35 % من النساء، و24 % من الرجال يتعرَّضون على نحوٍ منتظم لدخان المدخنين في إقليم شرق المتوسط.
= القدوة المقززة:
على الصعيد التربوي يقدم الأب المدخن لأولاده صورة القدوة المقززة التي تؤثر سلبا على بنائهم الشخصي والنفسي، فالأب المدخن في كيان الطفل هو ذلك الأب صاحب المزاج كريه الرائحة الذي لا تهدأ أعصابه إلا بعد تدخين السيجارة.
* وهو ذلك الأب سيء الخلق الغضوب في نهار رمضان بسبب حرمانه من التدخين حتى إنه يحيل أيام الشهر الروحانية إلى معارك ومشادات مع كل أفراد الأسرة الذين من المفروض أن يتلمسوا له العذر لأنه بعيد عن السيجارة. بل هو ذلك الأب الذي يفطر على السيجارة عند سماع صوت الأذان، ولا يصوم الست من سؤال أو أي أيام نفل أخرى بسبب التدخين.
* وهو ذلك الأب ضعيف الإرادة الذي قرر مرارا وتكرار الإقلاع عن التدخين ثم يفشل في ساحة الصمود والثبات على موقفه.
* وقد يكون هو ذلك الأب الطريد خارج المنزل إذا إختار السيجارة تجنبا لأذية أسرته حيث تلجئه السيجارة إلى السلم أو البلكون أو السطوح وكأنه مريض بمرض جلدي معدي، وربما هو ذلك الأب محدود الدخل الذي يحمل أولاده تكاليف تدخينه حيث يحرمهم من بعض متطلباتهم وإحتياجاتهم ليقتطع ثمن علب السجائر التي يدخنها.
* وهو ذلك الأب الذي لا يتحرج من إرسال ابنه أو ابنته وهم في ريعان الطفولة البريئة أو المراهقة الحرجة ليشتروا له السجائر من البائع، وهو ذلك الأب الذي لا يستطيع أن ينتقد أو يمنع ابنه المراهق من الزلل في أتون التدخين لأن هذا الابن هو أول ضحاياه.
الكاتب: د/ خالد سعد النجار.
المصدر: موقع صيد الفوائد.